صورة لأداة فرعونية سحرية قديمة
تقابل الدين و السحر فى أكثر من جانب من جوانب الحياة المجتمع الفرعونى لذلك فقد تركز السحر فى المعابد و اعتبر علما من علوم الكهنوت الذى تخصص فيه الكهنة وحدهم كما أن الكثير من الطقوس الدينية ارتبطت بالسحر وتعاليمه و تداخل السحر و الدين معاً فى كتب الموتى و المتون الدينية و علاقة الآلهة القديمة بالبشر . بعبارة أخرى كان السحر عند المصريين القدماء مجرد دين تطبيقى كما كان يشتغل كبار رجال و مازال هذا الاعتقاد فى قدرة بعض رجال الدين على استخدام السحر لتحقيق المأرب حتى الان و كانت نظرة الشعب الى السحرة كنظرتهم الى رجال الدين لان كلا منهما يمثل قوة الهية .
و قد ذكر عالم الاثار سليم حسن عن تغلغل السحر فى الكهنوت فى مصر القديمة " انه من العبث ان نبحث اذا كان السحر وليد الدين او الدين و ليد السحر فقد ظهرا العلمين فى ميدان واحد املاهما مظهر العالم و ظواهر الطبيعة "و قد ارتبط السحر منذ نشاته باساطير الخلق خلق الحياة و الوجود و العوامل المكونه لهما و القوى المحركة و المسيطرة عليهما و قد نسب القدماء المصريين السحر و نزوله على الارض الى الاله تحوت اله العلم و المعرفة و حامل العلامات الالهية و المعبود القمرى لمدينة هرموبوليس و اول من انزل كتب السحر المقدسة ووضع طلاسمه الباهرة و علم مخلوقاته النطق للتعارف و التخاطب و الحرف او الرمز او للصورة . ( 1)
فالسحر و عناصره و طقوسه تعتمد على هبات ثلاثة وهبت للساحر القوة الخارقة فى كيفية استخامها سواء فى التعاويذ او الطاسم او التمائم او فى الرقى و الاحجبة و الطقوس و غيرهما مما عرف من طرق السحر ووسائله . ( 2 )
و لم يكن السحر فى حد ذاته مكروها فى مصر القديمة مادام يستعمل لاغراض طبية كشفاء الامراض و دفع شر العين الشريرة التى كن الناس يخشون اضرارها و الحق ان الساحر الذى كان يستطيع دفع شرها كان محبوبا من الشعب و على النقيض من ذلك كان اشرار السحرة يجلبون المرض و الموت لاعدائهم بتعذيبهم و قتلهم فى صورهم او تماثيلهم .
( 3)
و كان السحرة المصريون يستندون فى سحرهم على النظرية القائلة بان كل جزء من جسم الانسان يعبر عن جزء من شخصيته فشعره و اظافره و ملابسه و اسمه الذى يلصق به من المهد الى اللحد و صورته و اى شىء من اثره انما يحمل بعضا منه و لهذا جرت العادة عند القدماء المصريين ان يطلقوا على كل طفل و طفلة عند ولادته اسمين احدهما الاسم الكبير و هو الاسم الرسمى و يبقى سرا مكتوما عندهم لا يعلمة الا والداه و الاسم الصغير الذى يعرف به بين اصدقائه و اقاربة و ينادى به فى كل مكان و كانوا يحرصون تماما على عدم اذاعة هذا الاسم الكبير خوفا من استخدامه فى السحر لذريتهم . ( 4 )
و لقد ذكر ماسبيرو ان مدارس السحر وجدت من اقدم العصور بجانب مدارس الكهنوت فى بيوت الحياة الملحقة بالمعابد و كان ملوك الفراعنه و خاصة فى الدوله القديمة يعدون من مفاخرهم وضع تللك المدارس تحت رعايتهم و شملها بعنايتهم و بلغ من تعظيم لعلم كلا من سنفرو و خوفو 2860 ق .م لعلم السحر انهما ضما الى القابهما لقب
( رئيس السحرة )
ولقد كان للسحرة مركز مميز و مكانه خاصة فى كل من الدولة القديمة و خلال الاسرات الثانية و الثامنة عشر و تقلد بعض السحرة المعروفين اعلى مناصب الدولة و اصبحوا مستشارين لفرعون و اعضاء فى مجلس الحكماء . و من الاهمية ان نذكر ان السحر فى مصر القديمة لم يقتصر على السحرة من الرجال فقط بل كان لبعض النساء
دراية تامة بالسحر و الاتصال بالأرواح كما ان بعضهن حملن لقب " عرافة المعبد " و لقد دخل التاريخ اسماء الكثيرات منهن امثال ميليت و انهاى.
و لقد سيطر السحر على المصريين القدماء كسيطرة العقائد الدينية نفسها فكانوا يستعينون به فى شئونهم الدينية و الدنيوية معا كما كانوا يستعينون به فى مختلف احوال حياتهم و قد مارس السحرة جميع انواع السحر بمختلف صورة التى عرفها العالم القديم او المتداول منها حتى الان ابتداء من الطقوس السحرية و الروحانية و الرقى و سحر التمائم كما مارسوا تحضير الارواح بجانب ما اشتهروا به من الربط بين الفلك و السحر و التنجيم و قراءة الطالع .
و من معتقدات السحر عند القدماء المصريين ان لكل ادمى قرينا من الجن يلازمه فى الحياه ويتبعه فى الموت و هى نفس الفكرة التى لازالت مستقرة فى الوجدان الشعبى حتى يومنا هذا و يسمى باللغة المصرية القديمة ( كا ) و كان يرمز له بذراعين مرفوعين فالدنيا وفقا لعقيدتهم مليئه بقوى الارواح المؤثرة و يجب على الانسان اتقاء ما يخشاه فيها من مختلف انواع الشر ما استطاع نفسه اى بقوة ايمانه و مناعته او بمعونة الغير فى المقاومة و مطاردة ما هدده او يحل به .
و الجدير بالذكر ان المصريون القدماء عرفوا نوعين من السحر : سحر مشروع و اخر ممنوع و مخالف للقانون و قد اعتقدوا انه بواسطة السحر يمكن تنظيم الحياة و الاخرة و يمكنهم بواسطته كذلك الحصول على ما يرغبون و ان يخضعوا القوى الطبيعية لهم و كان السحر المشروع يستهدف وقاية الناس من الاخطار التى تهددهم كالحيوانات المفترسة و الامراض كما تسلح المصريون القدماء بالتعاويذ و التمائم التى كانت تؤدى بصحبة طقوس دقيقة .(5)
و تعد التمائم و الاحجبة العنصر المادى فى فاعلية قوى السحر لدى القدماء المصريين و كانت فى نظرهم الواسطة التى تنقل التاثيرية الفعالة لحماية الانسان فى حياته الدنيوية و فى رحلته الى العالم الاخر . و قد كانوا يحملونها و هم احياء و يضعونها على اجساد الموتى اعتقادا منهم بان لها من القوى السحرية ما يدفع عنه الارواح الشريرة بل و تجلب لحاملها الحظ السعيد و الحياة الهانئة و تحمى مختلف اعضاء الجسم و لان التمائم كان لها المقام الاول فى نفوس المصريين القدماء فوضوعها على اعتاب منازلهم و تحت اعتاب الابواب او داخل حجرات البيت و كانوا يضعونها فى اماكن نومهم و تحت الوسائد و كان للالوان دورها فى التاثير السحرى بالنسبة للتمائم فاللون الاخضر لتمائم الصحة و الشباب و الازرق لمنع الحسد و طرد الارواح الشريرة و الاسود لجلب الحظ و الخير .
و لقد ذكر ابن خلدون فى مقدمته " و كان للسحر فى بابل و مصر وقت بعثة موسى اسواق رائجة و لهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون و يتنازعون فية و بقى من اثار ذلك فى البرارى بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك ( 6 )
و نقل يهود مصر السحر عن قبطها و مازالوا يعملون به و يتفننون فى اساليبه و قد نقلوه الى بلاد العرب و من سوريا و بابل و فارس ظهرت فئة من رجال الدين فى تميز و انفصال عن باقى افراد الشعب و صار لافرادها قدرات سحرية و صارت هذة الفئة قادرة على التاثير فى مجرى السياسة و لقد كان افراد هذة الفئة يفوق نفوذهم الملك احيانا عندما كان يصطدم بهم فقد هزموا اخناتون عندما اعتبروة ملحدا . ( 7 )
0 التعليقات :
إرسال تعليق